رمضانُ الخيرِ يُلملمُ أوراقـَهُ لفـُرَاقِنا
الحمدُ للهِ وقد شرحَ صدورَنا بالإسلام ِ, وأكرَمَنا بالإيمان ِ, وأنعمَ علينا بخيرِ الأنام ِمحمدٍ سيدِ ولـَدِ عدنانَ, وفـَضَّـلـَنـَا على كثيرٍ ممن خلقَ تفضيلا .
أيُّها المسلمونَ, أيُّها الموحدون : يا أبناءَ أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم .
أيُّها الطائعونَ الذينَ إذا دُعُوا إلى اللهِ ورسولِهِ ليحكمَ بينهم قالوا سمعنا وأطعنا.
ها أنتم لمَّا سمعتم نداءَ ربِّكُم لصلاتِكُم وفلاحِكُم لبيتم مسرعينَ، وأجبتم طائعينَ. مُخلـِّفينَ الدنيا وزُخرُفـَـها وراءَكُم ظِهريَّاً، فما غرتكُم واللهِ بزينتِـها, ولا ألهتكُم بمتاعِها.
فهنيئاً لكم ولمن لبَّى نداءَ اللهِ.
ثمَّ ها أنتم لمَّا أهَلَّ رمضانُ بهلالِهِ وسمعتم نداءَ ربِّكُم لصومِكُم، أصبحتم صائمينَ, وأمسيتم قائمينَ، ترجونَ رحمة َربِّكُم ورضوانـَهُ تسألونهُ الجنة َ، وترجونـَهُ المغفرة َ, والعتقَ من النارِ.
ثمَّ ها هوَ رمضانُ اليومَ يلملمُ أوراقـَهُ لِفراقِكُم، فهنيئاً لمن أطاع َوأحسن، فصامَ وقامَ، وتـَصَدَّقَ فأغدقَ مُلبياً نداءَ ربِّهِ الأكرم .
فهذه واللهِ حالـُكُم ونِعمَ الحالُ هيْ، تـُجيبونَ إذا دُعيتم، وتـُطيعونَ إذا أُمرتم، وتـُعطونَ إذا سُئلتم, تلكَ هيَ حالـُكُم, وحالُ المؤمنينَ وصفاتـُهم .
إخوتي في اللهِ وأحبتي : ألا فلتعلموا أن الذي أوجبَ عليكُمُ الصلاة َ, قد أوجبَ عليكمُ الصيامَ، وأوجبَ الزكاة َ وأوجبَ الحَجَّ .
وهوَ نفسُهُ الذي أوجبَ عليكم الأمرَ بالمعروفِ والنهيَ عن المنكرِ .
وهو الذي أوجبَ عليكم مقارَعة َالحكام ِوكشفَ خياناتِهم .
وهو الذي أوجبَ عليكمُ العملَ الجادَّ الدؤوبَ لقلعهم من جذورِهم واستِئصال ِشأفتِهم .
وهو الذي أوجبَ عليكم كذلكَ حملَ الإسلام ِلهدايةِ البشريةِ, وإخراجـِها من الشـَقاوةِ إلى السعادةِ، ومن جورِ الأديان ِوظلمِـها, إلى نورِ الإسلام ِوعدلِهِ .
ثمَّ هو نفسُهُ الذي أوجبَ عليكمُ الحكمَ بالإسلام ِوالإحتكامَ إليهِ، وحَرَّمَ عليكُمُ النزولَ عندَ حكم ٍغيرِ حُكمهِ . فلماذا أنتم قاعدونَ ؟! وماذا تنتظرونَ ؟! وهذا رمضانُ شهرُ الخيرِ يتسللُ من بينِكم لـِوَاذا, مُؤذناً بالرحيل, فلعلـَّكُم لا تلقونـَهُ بعدَ يومِكُم هذا, وشهرِكُم هذا, وعامِكُم هذا.
ولعلـَّكُم لا تـُدركونَ خيرَهُ إن ضيعتمُوهُ, بغيرِهِ, فإنهُ لا عِدْلَ لهُ.
فالعُمرُ معدودٌ, والأجلُ محدودٌ, ولا تزالُ لكم واللهِ فـُسحة ٌ، إن كانَ في العُمُرِ بقية ٌ.
فاجعلوا توبَتـَكُم في شهرِ ربِّكُم, توبة ًتطيبُ بها نفوسُكُم, وتـَصلـُحُ بها أعمالـُكُم، لِـيُحِسنَ اللهُ إذا ما جاءَ أمرُهُ ختامَكُم, مصداقاً لقولهِ تعالى: ( الذينَ تتوفاهُمُ الملائكة ُطيبينَ يقولونَ سلامٌ عليكم ادخلوا الجنة َ بما كنتم تعملون{32}) النحل.
فسارعوا إلى مغفرةٍ من ربِّكُم, وجنـَّةٍ إليها تطمحونَ, ولِرَبـِّكُم عاملون, وإليهِ تـُرجعونَ .
فلا تـُقصـِّرُوا على رمضانَ صومَكُم . وتزودوا تأسياً بهدي ِنبيِّكُم, وطمعاً بجنةِ ربكم لقولِهِ عليهِ السلامُ (من خـُتمَ لهُ بصيام ِيوم ٍدخلَ الجنة َ). أي من ماتَ وهوَ صائمٌ ضمنَ دخولَ الجنة َبإذنهِ .
فقوموا من فورِكُم، وقد عاهدتم ربَّكُم، على العمل ِمَعَ العاملينَ المخلصينَ لإقامةِ حكم ِاللهِ في الأرض ِ فبها عزُّكُم, وبها فلاحُكُم ونجاحُكُم، ولن يَتـِرَكُم اللهُ أعمالـَكُم, ولا تجعلوا نهاية َرمضانَ بداية ًلقعُودِكُم وتقاعُسِكُم، وإضاعة ًلأجرِكُم، فشمِّروا عن سواعِدِكُم وقولوا: ( سمعنا وأطعنا غفرانكَ ربنا وإليكَ المصير{285}) البقرة .
وفي الختام ِإخوة َالإسلام ِ: فليستْ واللهِ دعوتـُنا إليكُم بالعمل ِإلاَّ دعوة ًلحياتِكُم وحياةِ أمَّتِكـُم, أمَّةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم, بلْ وحياةِ البشريةِ كلـِّها.
وهيَ دعوة ٌقائمة ٌعلى العقيدةِ الإسلاميةِ لأجل ِبَعثِـها من جديدٍ، لتحيا بشرع ِربِّها، فتسعدَ في الدنيا، وتنعمَ في الآخرةِ .
فليسَ واللهِ أعظمَ من تمام ِالطاعةِ وحُسن ِالإجابةِ: ( يا أيُّها الذينَ آمنوا استجيبوا للهِ وللرسُول ِإذا دعاكُم لِمَا يُحييكُم, واعلموا أن اللهَ يحولُ بينَ المرءِ وقلبهِ وأنهُ إليهِ تحشرون{24}) الأنفال .